الاحوال السياسية قبل الاسلام
مقدمة :
لم تكن بلاد العرب قبل ظهور الإسلام دولة عربية بالمعنى الذي نفهمه الآن من
الدولة، من حيث أن الدولة هي نظام منفصل عن الجماعة ومستقل عنها في وظيفته؛ ومن
حيث إن لهذا النظام سلطانًا يخضع له الناس، حيث لم يكن موجودًا في بلاد العرب.
وإنما كانت الدولة عندهم هي الجماعة في جملتها، ولم تكن هيئة لها نظامها الخاص ولا
كانت لها أرض محددة، فليس هناك موظفون يدبرون شئون الجماعة بالمعنى الذي نعرفه في
الدولة، بل كان هناك كيان اجتماعي طبيعي بالغ درجة النماء عرف باسم القبيلة يقوم
فيه رؤساء العشائر والبطون برعاية شئون الجماعة، ويذكر الرحالة دوتي Daughly أنه رأى في أهل
البادية في هذا القرن العشرين من لا يصور الدولة إلا على أنها قبيلة ويقيس قوتها
بما تملك من الإبل[1].
وكذلك الحال بالنسبة للمدن، فلم تكن المدينة هي الوحدة السياسية كما كان الحال عند اليونان. بل كانت القبيلة هي هذه الوحدة مثل قريش في مكة وثقيف في الطائف، وقد جرى عرف العرب على الانتساب إلى القبائل لا إلى المدن، بل لم يعرف الانتساب إلى المدن إلا في القرن الثاني للهجرة.
وكذلك الحال بالنسبة للمدن، فلم تكن المدينة هي الوحدة السياسية كما كان الحال عند اليونان. بل كانت القبيلة هي هذه الوحدة مثل قريش في مكة وثقيف في الطائف، وقد جرى عرف العرب على الانتساب إلى القبائل لا إلى المدن، بل لم يعرف الانتساب إلى المدن إلا في القرن الثاني للهجرة.
و من المعروف ان سكان الجزيرة العربيه كانوا ولايزالون-منقسمين الى قسمين
كبيرين..
البدو والحضر, وتقوم حياة البدو على الرعي وما يتعلق به, بينما تقوم حياة
الحضر على التجارة والزراعة وبعض من انواع الصناعة.
وكان البدو يعيشون في صراع دائم مع البيئة التي يعيشون فيها لقسوتها وكانت
حياتهم قائمة على كثرة التنقل والسعي بحثا عن الامطار والمرعى والارض الخصبة طلبا
لعيشهم ومطعم دوابهم.
وقد حتمت عليهم هذه المعيشة ان تجمع افرادهم في وحدات قامت على اساس صلة الدم
والنسب," وذلك ان صلة الرحم طبيعي في البشر الا في الاقل ومن صلتها النعره عن
ذوي القربى واهل الرحام ان ينالهم ضيم او
تصيبهم هلكه فان القريب يجد في نفسه عضاضه من ظلم قريبه او العداء عليه ويود لو يحول
بينه وبين مايصل اليه من المعاطب والمهالك"[2],
وهذه نزعه طبيعيه في البشر…
من كل ذلك نرى أن الفكرة القبلية هي جوهر الحياة السياسية والاجتماعية ، والقبيلة
العربية مجموعة من الناس، كانت تؤمن بوجود رابطة تجمعهم تقوم على أساسين: من وحدة
الدم، ووحدة الجماعة. وفي ظل هذه الرابطة نشأ قانون عرفي ينظم العلاقة بين الفرد
والجماعة على أساس من التضامن بينهما في الحقوق والواجبات، وهذا القانون العرفي
كانت القبيلة تتمسك به أشد التمسك في نظامها السياسي والاجتماعي على السواء.
مفهوم السياسة
في لغة العرب:
السياسة في لغة
العرب: القيامُ على الشيء بما يُصلِحُهُ, وأما في الاصطلاح فقد عُرفت بعدة تعريفات
منها: تدبيرُ شُئونِ الدولةِ الإسلاميةِ، التي لم يرِدْ بحكمها نص صريح، أو التي
من شأنها أن تتغير وتتبدل بما فيه مصلحة الأمة، ويتفق مع أحكام الشريعة وأصولها
العامة.
وقيل: هي تحقيق الحاكم
الذي يسوس أمر الأمة للمصلحة التي تُعود على الأفراد والجماعات، وذلك بتطبيق أحكام
استُنبطت بواسطة أُسس سليمة، أقرتْها الشرعية، مثل: المصالح المرسلة، سد الذرائع،
الاستحسان، العرف، الاستصحاب، الإباحة الأصلية، وكل ذلك فيما لم يرد فيه نصٌّ.
الأحوال
السياسية خارج الجزيرة العربية :
- الناظر في الحالة
السياسية قبل الإسلام يجد أن الأحوال السياسية خارج جزيرة العرب كانت مختلفة
فمثًلا: الهند كانت تقوم على اعتبار القوة الإلهية في - اعتقادهم الوثني- مصدرًا
لكل القواعدِ والأنظمةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ، وكانت ترتكز على قوانين:
"مانو" و"برهما" وتقسِّمُ المجتمعَ إلى طبقاتٍ، وعلى هذا
التقسيم يتفاوتُ الأفرادُ في الحقوق والحريات السياسية والمدنية.
وأما الصينُ: فكانت
تقوم على أساس أنَّ الإمبراطور يستمد سلطتَه من السماء، فهو يحكم وفقًا للحق
الإلهي الذي يُخَوِّلُه سلطةً مطلقةً إلى أن ظهرت النظريات الفلسفية للفيلسوف
"كنفوشوس" وكذلك "منشسيوس" فتأثرت بهما السياسة.
وأما في اليونان
فالفكر المثالي المجرد طغى على حساب الحركة عندهم، ففشل في إيجاد دولةٍ تعبر عن
حقيقة العصر، وآمالِ الشعب؛ أما الرومانُ فقد كان طُغيان الحركة مسيطرًا على الممارسة
السياسية، والحركةُ عندهم تعني: القوة، ونشر النفوذ، والسيطرة على المجتمعات
الأخرى حتى في ظل النصرانية التي أدخلها قسطنطين.
الأحوال
السياسية داخل الجزيرة العربية :
بالنسبة للجزيرة
العربية فلم يكن للعرب في بلاد الحجاز نوعٌ من الحكومات المعروفة الآن، ولم يكن
لهم قضاءٌ يحتكمون إليه، أو جهازُ أمنٍ يُقرُّ النظامَ ويحافظُ عليه، ولا حتى جيش
يدرأ عنهم الأخطارَ الخارجيةَ بالرغم من وجود بعض الممالك في جنوب الجزيرة, لذلك
سنتحدث عن الحياة السياسية في الجزيرة العربية بالتفصيل حسب موقعها الجغرافي :
1- جنوب الجزيرة العربية:
وجدت بعض الممالك في
جنوب الجزيرة العربية ومع قلة المعلومات المعروفة عنها فإنها تعطي صورة عامة عن
وجود تنظيم سياسي في تلك المناطق, ومن أبرز تلك الممالك ما يلي:
مملكة معين: في شمال اليمن في الفترة
(630 – 1200) قبل الميلاد.
مملكة سبأ: ظهرت في جنوب
اليمن في الفترة (115 – 950) قبل الميلاد وورثت مملكة معين.
مملكة قِتْبان([3]): وهي دولة عربية
جنوبية تقع في أقصى جنوب بلاد اليمن قامت
في الفترة (1100 - 25) قبل الميلاد تقريبًا, وقد عاصرت الدولة المعينية
والسبئية.
مملكة حِمْير: ظهرت مملكة حمير
في اليمن بين سبأ والبحر الأحمر وذلك بعد سنة (115) قبل الميلاد ودامت مملكتهم
حوالي 640 سنة([4]).
2- شمال الجزيرة :
مملكة المناذرة: هاجرت بعض القبائل
العربية من اليمن واستوطنت في شمال شرقي الجزيرة العربية وأنشأت دولة المناذرة
التي اتخذت من الحيرة عاصمة لها, وقد حاول المناذرة تقليد حضارة الفرس فأحاط ملك
الحيرة نفسه بمظاهر البلاط الفارسي.
مملكة الغساسنة: نشأت من القبائل
التي هاجرت من اليمن واستوطنت في الشمال الغربي للجزيرة العربية – الأردن وجنوب
سوريا – على ماء اسمه (غسان) فسموا بالغساسنة, وتحالف الروم مع الغساسنة, كما
تحالف الفرس مع المناذرة, وكانت دولة الغساسنة تحكم بخليط من العادات العربية
والقانون الروماني([5]).
3- بلاد الحجاز :
لم يكن للعرب في بلاد الحجاز نوع من الحكومات المعروفة
الآن, ولم يكن لهم قضاء يحتكمون إليه, أو جهاز أمن يقر النظام ويحافظ عليه, ولا
حتى جيش يدرأ عنهم الأخطار الخارجية, ولم يكن ثمة سلطة تضرب على أيدي المعتدين,
وتوقع العقاب على المجرمين. وإنما كان الرجل المُعْتَدَى عليه يثأر لنفسه بنفسه,
وعلى قبيلته أن تشد أزره([6]).
وقد وجد في مكة نوع
من الوظائف التي لم تكن موجودة في بلد من البلاد العربية وذلك لمركزها الديني بين
البلدان, ووفود الحجاج إليها من كل مكان، حصرها بعض الباحثين في ستة عشر وظيفة
منها: الحجابة والسقاية والرفادة.
واعتبروها نوعًا من
أنواع السلطة السياسية, والأقرب أنها وظائف شرفية تتطلبها طبيعة البلاد وظروف
الحجاج, وليست نوعًا من أنواع السلطة السياسية.
ومما يؤكد الفراغ
السياسي الذي كانت تعيشه بلاد الحجاز ما حصل عندما جاء أبرهة الأشرم لهدم الكعبة
فخرج له عبد المطلب فسأله أن يرد عليه إبله ولم يناقشه في مصير مكة وأهلها([7])،
واختلاف أهل مكة في وضع الحجر الأسود عند تجديد بناء الكعبة ولو كان هناك ثمة سلطة
سياسية في البلاد لكانت هي المرجع في مثل هذه المشكلة([8]).
ولكن هذه القبائل
العربية عرفت نوعًا من الممارسات شبه السياسية مثل الأحلاف والجوار.
وأحلاف الجاهلية منها
ما هو على الخير كحلف الفضول الذي تعاقدت فيه بطون من قريش في دار عبد الله بن
جدعان على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا إلاَّ قاموا معه حتى تُرد عليه مظلمته.
ومنها ما هو على
الشر, كتحالف بطون قريش على حصار النبي r
وأصحابه وبني هاشم في شعب أبي طالب، فما كان منها على الخير؛ فقد زاده الإسلام
توثيقًا, وما كان منها على الشر؛ فقد أبطله الإسلام ونقضه.
وأما الجوار فهو
الحماية والمنعة للمستجير([10]). وكانوا في الجاهلية
بعضهم يجير على بعض, ولا يحب أحدهم أن تسمع العرب أنه أخفر في رجل عقد له([11]).
ولم يكن الجوار في الجاهلية مقصورًا على
الحماية من الظلم, بل تعدّى بهم الأمر إلى إجارة الظالمين وهو ما حرَّمه الإسلام
وتوعّد فاعله بالعذاب([12]).
ولقد كانت قبائل
العرب قبل الإسلام متفرقة متناحرة, كما أخبر المولى سبحانه عنهم ممتنًّا على رسوله
r
بقوله: {وَأَلَّفَ بَيۡنَ
قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ
قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٣ [13]
هكذا كانت الحال بين
الأوس والخزرج في المدينة ولم تكن بقية قبائل العرب بعيدة عن هذا الواقع, فقد كانت
قلوبهم شتى, تثور الحروب بينهم لأتفه الأسباب ومن ذلك ما يأتي:
- حرب البسوس: بين قبيلتي بكر
وتغلب ابني وائل. دامت أربعين سنة بسبب ناقة.
- حرب داحس والغبراء: بين عبس وذبيان
بسبب سباق بين فرسين([14]),
دامت نحو أربعين سنة.
- وأيام الفجار: وهي حروب وقعت في
الأشهر الحرم بين قبائل من عرب الحجاز قبل مبعث النبي r بست وعشرين سنة([15]).
النظام السياسي
للقبيلة العربية :
كانت الروح الديمقراطية تسود المجتمع القبلي،
فكان لكل قبيلة رئيس يقال له السيد أو شيخ القبيلة، وأحيانًا يطلقون عليه -تجوزًا-
الأمير أو الملك. وهذا السيد تنتخبه القبيلة، ولكنه لم يكن انتخابًا بالمعنى
المفهوم لدينا الآن؛ وإنما كان اختيارًا تلقائيًّا، فكل رجل في القبيلة فاق الآخرين
في الفضائل التي منها الشجاعة والجود والغيرة وسعة الثروة وسداد الرأي وكمال
التجربة مع كبر السن، يمكنه بهذه الصفات الممتازة الكفيلة بتحقيق مصالح القبيلة،
أن يكون سيد قبيلته، وأن يكون الواجب أن يكون شيخ القبيلة من صريح نسبها، لنفور طباع
العرب من أن يحكم في القبيلة أحد من غيرها[16]،
وقد راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك حين كانت تأتيه وفود القبائل، فكان يسود
على كل قبيلة رجلًا منها ويجعله عليها لامتناع طباعهم أن يسودهم غيرهم[17].
كما يجب أن يكون شيخ القبيلة من أقوى بطونها
وأذكرها شرفًا وأكثرها عصبية، حتى يكون له من الانتصار بعصبيته والاعتزاز بهم ما
يمكن له من الرياسة ومن إطاعة القبيلة له واحترامها لرأيه[18].
فإذا مات هذا السيد أو فقد بعض الصفات انتقلت السيادة إلى الآخر الذي تكتمل له،
وهذا معنى القول بأن القبيلة تختار سيدها.
وكما يتجلى المظهر الديمقراطي في اختيار شيخ القبيلة
وهو رأس حكومتها، كذلك يتجلى في رقابة الجماعة على هذا الرئيس، وهذه الرقابة تتمثل
فيما يسمونه مشيخة القبيلة، أو مجلسها الذي يجمع رجالها بفضائلهم الذاتية.
ولقد كانت مشيخة القبيلة هي الركن السامي حقًّا في نظام القبيلة العربية. إذ إن سلطة رئيس القبيلة كانت محدودة بواسطة هذا المجلس الذي يمثل الرأي العام في القبيلة.
ولقد كانت مشيخة القبيلة هي الركن السامي حقًّا في نظام القبيلة العربية. إذ إن سلطة رئيس القبيلة كانت محدودة بواسطة هذا المجلس الذي يمثل الرأي العام في القبيلة.
وكانت مشيخة القبيلة تتألف من أصحاب الرأي فيها،
وهنا نجد الكفاية والفضائل الذاتية هي المرجع، فشاعر القبيلة من أفراد هذا المجلس،
بل هو في مقدمة رجاله، إذ إنه الذي يتغنى بمناقب القبيلة، ويرثي موتاها، ويهجو
أعداءها، ويدفع عنها بلسانه، وسلاحه هذا أمضى من سلاح السيف وأفتك في الخصم من
السهام [19]؛
ولذلك كانت القبيلة تفرح إذا نبغ فيها شاعر وتعتز به وتحفظ شعره، وكانوا يجعلون
موهبة الشعر من صفات الكمال، فالرجل إذا كان شاعرًا شجاعًا كاتبًا سابحًا راميًا
دعي الكامل لوجود هذه الخصال فيه1. وكذلك الخطيب، وهو لسان القبيلة في منافراتها
ومناظراتها2. ثم حكامها الذين يفصلون في الأقضية بين الناس ويحكمون بينهم إذا
تشاجروا في الفضل والنسب والمواريث والدماء، وكان لكل قبيلة حكم أو أكثر؛ لأنه لم
يكن دين يرجع إلى شرائعه، فكانوا يحكمون أهل الشرف والصدق والأمانة والرياسة والسن
والتجربة والمعرفة بالعرف، ثم كان من رجال المجلس الشجعان المشهورون بالفروسية.
وبعض الأفراد من أصحاب المكانة كالكاهن والعراف والقصاص. هذا بالإضافة إلى شيوخ
العشائر وكبار السن في القبيلة ممن اكتملت لهم تجارب الحياة. كل هؤلاء يمثلون
مشيخة القبيلة، ومن اجتماعهم تكون السلطة التي يرجع إليها سيد القبيلة.
الأحوال
السياسية في حياة البدو قبل الاسلام:
لم تكن للسلطة وجود في تجمعات البدو أو وحداتهم التي ينتمون إليها بل كان
الأفراد جميعا متساوون في الحقوق والواجبات مساواة جعلت من رئيس القبيلة أو
العشيرة مجرد شخص ذي سلطه معنوية هدفها الحفاظ على الوحدة بين أبناء قبيلته
اوعشيرته.
وقد ذهب بعض الباحثين في تاريخ العرب قبل الاسلام ان القبيلة العربية عرفت
نوعا من التنظيم السياسي تمثل في حق رئيس القبيلة في إعلان الحرب على الأعداء وفي
منح الجوار لمن يطلبه , وفي تقرير طرد المخلفين أو الخارجين عن نظام أو عادات
القبيلة, بل قيل ان رئيس القبيلة كان بمثابة ملك يدير مملكة رعاياها هم الأفراد
المنتمون إلى القبيلة والذين يعتقدون بانحدارهم من اصل انسب مشترك.
والواقع ان هذا يستجيب إلى مسلمة من مسلمات العلوم السياسية المعاصرة مفادها
ان جوهر السياسة كامن في الإنسان ذاته,بحيث يعتبر الإنسان كائنا سياسيا بطبعه ,
فان هذا الرأي يتعارض تعارضا واضحا مع مسلمة أخرى من مسلمات العلوم السياسية
مؤداها انه لكي يعتبر المجتمع مجتمعا سياسيا فانه لابد من أن يتوافر فيه عناصر
أساسيه أهمها عنصران رئيسيين :
اولهما: التقيد الإقليمي أو الاستقرار الإقليمي أي ارتباط الأفراد بإقليم معين
ارتباطا يضفي إلى ظهور مفهوم الوطن وما يتبعه من شعور الأفراد بواجب المحافظة على
الوطن والدفاع عنه,
وثانيا: وجود السلطة السياسية التي تحتكر القوة الفعلية والشرعية في هذا
المجتمع احتكارا يمكنها من إقرار السلام والعمل على تقدم المجتمع ,وهذان العنصران
لايمكن لادعاء بتوافرهما في التجمعات البدوية في جزيرة العرب قبل الإسلام.
الأحوال
السياسية في حياة الحضر قبل الاسلام :
فبعد توضيح ملامح الاحوال السياسية في
حياة البدو قبل الاسلام فالواقع ان حال الحضر خاصة في الحجاز حيث ظهر الاسلام ومن
حيث انتشر,لم يكن افضل حال من البدو من وجهة نظر السياسة,فرغم سكن اهل الحجاز في
مدن كبيرة نسبيا كمكه والطائف والمدينة فان العلاقات الفرية والاجتماعية كانت
تحكمها في الغالب ذات القواعد التي تحكم العلاقات في حياة البدو ولم تظهر في هذه
المدن سلطه سياسيه بالمعنى المعروف لهذه الكلمة الى ان ظهر الاسلام ونشأت دولته في
المدينة,الا انه في مكه كان الوضع افضل بقليل وذلك لوجود قبائل مختلفة ووجود كم
كبير من التجار يقومون برحلتين كل عام للتجارة وايضا وفود الحجاج القادمين كل عام
للكعبه,لذلك وجب وجود بعض التنظيم السياسي الذي عهد بمقتضاه لبعض قبائل قريش ببعض
المناصب على النحو التالي :
1- السندانه والحجابة:
السادن خادم الكعبه وبيت الاصنام, وسدنة الكعبة هم حجابها الذين يقومون على
خدمتها ويتولون امرها,وقد كانت السندانه والحجابة في مكه لبني عبد الدار بن قصي بن
كلاب.
2- السقاية والعمارة:
السقاية هي تقديم الماء وبعض انواع الشراب للحجيج وقد كان امر السقاية في
الجاهلية وفي الاسلام الى العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم .
اما العمارة فلها في اللغه معاني عديده,وقد ورد معناها في حق البيت الحرام
انها منع الناس من ان يتكلموا في المسجد الحرام بهجر اورفث او ان يرفعوا اصواتهم
فيه(3),وقد كانت العماره مع السقاية للعباس ابن عبد المطلب.
3- الرفادة:
وكان الرفادة مال كانت تخرجه قريش في كل عام فتدفعه الى قصي بن كلاب ليصنع به
طعاما للحجيج فيأكل منه المحتاج يستمر حتى تنقضي ايام الحج,وقد كان اول من صنع
الرفادة قصي بن كلاب,وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الرفادة لبني عبد
مناف,هذه أهم المناصب التي ثبت في تاريخ العرب قبل الإسلام وجودها لدى أهل مكة.
الواقع الذي يؤيده استقراء الحوادث التاريخية التي بين أيدينا عن تلك الفترة
من التاريخ هو أن الحالة السياسية في مكة لمتكن تختلف كثيرا عنها في مواطن بقية
القبائل العربية الأخرى فلم يكن هناك نظام سياسي ولم تعرف تلك القبائل سلطة سياسية
على أي صورة من صور السلطة السياسية وقد حاول البعض الباحثين أن يثبت أن أهل مكة
عرفوا نوع من التنظيم السياسي قبل الإسلام مستدلا على ذلك بأن بعض أهلها قد عقدوا
حلفا اسمه (حلف الفضول)[20]
تعاقدوا في أن ينصفوا المظلومين من الظالمين وان ينصروا المستضعفين على الباغين
ونحن نرى ان عقد حلف الفضول في حد ذاته يعتبر دليلا كافيا على غياب أي سلطه سياسيه
عن المجتمع المكي قبل الإسلام,اذ لو وجدت هذه السلطة لما كان ثمة مكان لعقد مثل
هذا الحلف الذي ضم خمس قبائل فقط من قريش دون باقي القبائل,ويد كذلك على عدم وجود
سلطه سياسيه يخضع لها الجميع.
أما أطراف الجزيرة العربية وسواحلها فقد عرفت فيها التنظيمات السياسية بل عرفت
فيها ممالك عاشت قرون طويلة وحفظ التاريخ كثيرا من حوادثها وتطورات الحكم فيها
وأوضع مثال على ذالك دولة سبأ التي قص القران طرف من قصتها,وكذلك ظهرت في بادية
الشام وهي جزء من الجزيرة العربية ممالك متعددة منها مملكة تدمر ثم مملكة الغساسنة
وقد تحالف ملوكها مع الدولة البيزنطية التي كانت تعاني من غارات البدو على أن يكفي
الغساسنة هذه الدولة شر الغارات العربية عليها,غير أن هذه الانظمه الملكية وهي بلا
شك أنظمة ذات
التشكيل
الاجتماعي للقبيلة العربية:
كانت القبيلة العربية وحدة الحياة الاجتماعية كما كانت وحدة الحياة السياسية. وكانت كل قبيلة تؤمن بوجود رابطة تجمع بين أفرادها على أساس من وحدة الدم ووحدة الجماعة. وفي ظل هذه الرابطة وفي ظل القانون العرفي الذي نشأ على أساسها: انقسم المجتمع القبلي إلى طبقات اجتماعية ثلاث:
1- طبقة الأحرار أبناء القبيلة الصرحاء [21]: وهم الذين يجمع بينهم الدم الواحد والنسب المشترك.
2- طبقة الموالي: وهم من انضموا إلى القبيلة من العرب الأحرار من غير أبنائها عن طريق الجوار أو الحلف أو العتقاء من الأرقاء فيها.
3- طبقة الأرقاء: وهم المجلوبون عن طريق الشراء، أو أسرى الحروب.
ولكل من هذه الطبقات منزلته في السلم الاجتماعي، فنحن أمام مجتمع طبقي تفصل بين طبقاته حدود واضحة.
ولكل من هذه الطبقات منزلته في السلم الاجتماعي، فنحن أمام مجتمع طبقي تفصل بين طبقاته حدود واضحة.
دستور القبيلة
كان للقبائل العربية دستور عرفي عام، يشترك فيه كل أفراد القبيلة، وهذا الدستور ينحصر في كلمة واحدة هي: العصبية.
كان للقبائل العربية دستور عرفي عام، يشترك فيه كل أفراد القبيلة، وهذا الدستور ينحصر في كلمة واحدة هي: العصبية.
والعصبية أن يدعو إلى نصرة عصبته والوقوف إلى
جانبه ظالمين أو مظلومين. هذا هو المعنى المفهوم من كلمة عصبية. ولقد كان شعار
العصبية في الجاهلية: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا؛ فالعصبية تعبر عن غريزة الدفاع
الكامنة في كل كائن مادي أو معنوي، بصرف النظر عن العدالة وعدمها.
والعصبية في الفطرة بمنزلة القومية أو الوطنية
في العصور الحديثة، وهذه الروح هي روح التضامن الشديد التي يعتز بها المجتمع
القبلي، ولقد كانت قوية جدًّا في القبائل العربية على خلاف المعروف في المجتمعات
الحضرية.
الخاتمة :
لا يستطيع أحد أن يزعم أنه كانت هناك
أمة عربية موحدة في أهدافها في شبه الجزيرة العربية في هذه الفترة، ولم تكن تبدو
ملامح وحدة منتظرة في الأفق. للمانع الموجود في طبيعة العرب كما ذكر ابن خلدون:
فهم" أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في
الرياسة .
وكذلك"
لم تساعد شدة الحياة وقسوتها على نشوء حضارة عمرانية إِلا في مناطق قليلة من شبه
الجزيرِة، لا سيما في أطرافها، وكانت الكلمة هي معلم الحضارة البارز، شعراَ في
الغالب، وقليلاً من الحكمة في الأقوال، نتيجة التجربة في الحياة".
كان
لشبه الجزيرة العربية بسبب وجود البيت الحرام فيها مكانة دينية مرموقة، لكن في
الناحية السياسية, لم تنل ما نالته مناطق أخرى مجاورة مثل الفرس والروم من التنظيم
والإدارة والعلم. ولم يحظ سكانها بما حظيت به شعوب عديدة في التاريخ القديم في مصر
واليونان.
هذا
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(رَبَّنَا
آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ)
المراجع :
ابن خلدون: "عبد الرحمن بن خلدون
المغربي": المقدمة، المطبعة الشرقية، سنة 1327هـ.
نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، تحقيق
إبراهيم الإبياري، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1959م.
تاريخ الأدب العربي، ترجمة عبد الحليم النجار،
دار المعارف.
تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة نبيه فارس ومنير
البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت.
شوقي ضيف "دكتور": العصر الجاهلي، دار
المعارف، سنة 1960م.
الطبري: "أبو جعفر محمد بن جرير":
تاريخ الأمم والملوك، مطبعة الاستقامة بالقاهرة، 1357هـ- 1939.
جواد علي "دكتور": تاريخ العرب قبل
الإسلام، مطبوعات المجمع العلمي العراقي.
معجم البلدان، مطبعة بيروت، سنة 1957م.
الفهرس :
م
|
العنوان
|
الصفحة
|
1
|
مقدمة
|
1
|
2
|
مفهوم
السياسة في لغة العرب
|
2
|
3
|
الأحوال
السياسية خارج الجزيرة العربية
|
2
|
4
|
الأحوال
السياسية داخل الجزيرة العربية
|
3
|
5
|
النظام
السياسي للقبيلة العربية
|
7
|
6
|
الأحوال
السياسية في حياة البدو قبل الاسلام
|
9
|
7
|
الأحوال
السياسية في حياة الحضر قبل الاسلام
|
10
|
8
|
التشكيل
الاجتماعي للقبيلة العربية
|
12
|
9
|
دستور
القبيلة
|
12
|
10
|
الخاتمة
|
13
|
11
|
المراجع
|
14
|
12
|
الفهرس
|
15
|
تعليقات
إرسال تعليق